كان قد أضرم لتوه النار بتبغ غليونه حينما رمقها تسقط داخل ما يسميه هو بحوضه الأخضر .. تأملها وهي تتخبط في الحوض لبرهة، ثم تابع تصفحه لجريدته الصباحية...
قبل وقوع الكارثة تنبأ مرارا أنها ستكون ضحية طيشها البريء .. فها هي تصارع الموت وحيدة.. تتشبث بأوراق نضرة وأخرى ذابلة تطفو على سطح مزبد.. فالشقية الصغيرة على ما يبدو كانت تجهل فن العوم ...
هؤلاء الشياطين الصغار لا يتوانون في غزو حديقته كلما سنحت لهم الفرصة لملئ بطونهم الفارغة مما لذا وطاب من نعيم جنانه ...
فقد ضبطها لمرات عديدة تتلصص على شجيرات الفاكهة، وحينما يهم برجمها بكل ما تيسر أمام ناظره، تتوارى وراء سور الحديقة إثر قفزة رشيقة، متحينة فرصة أخرى لتشن غارة تلوى أخرى على ثمار تثير اللعاب ...
كان تبغ غليونه قد استحال رمادا حينما لاحظ أن مقاومتها قد بدأت تضعف وهي تطفو في حوضه الأخضر ، مثل ورقة رهان خاسرة.. فكر أن يستدعي خادمه لينتشلها من براثن الموت، لكنه عدل عن فكرته، فهو يعلم علم اليقين أن لا أحد سيكترث لهذه المخلوقة التعسة.. حية كانت أم ميتة .. فلا ضير في أن ينقص بطن من بطون عديدة ومتنوعة تستهلك و لا تنتج سوى مزيد من الفوضى والشغب، وبطالة مؤجلة..
لو كان مسؤولا على هذا البلد لأمر بدس موانع الحمل في مأكلهم ومشربهم..وحتى في شجيراته الدانية قطفوها..فكثيرا ما تغنى بهذه الفرضية أمام سائقه كلما اعترض سيارته الفارهة نفر من أطفال الشوارع...
*******
بعد أخذ ورد امتدت يده للملعقة الصغيرة.. اغترفها من كوب الشاي أو ما يسميه هو بحوضه الأخضر، فالتقطها جثة هامدة تدثرها ورقة نعناع نصفها أخضر ونصفها أسود .. كانت النحلة الصغيرة قد لفظت لتوها نفسها الأخير ...
رشف رشفة حارة من كوب الشاي فوجده بطعم البحر ...